ضربة إسرائيلية مُحكمة- قادة وعلماء إيران النوويين في مرمى النيران

شنّت إسرائيل ليلة أمس سلسلة من الهجمات الدقيقة الموجّهة داخل الأراضي الإيرانية، مستهدفةً مواقع استراتيجية ذات أهمية قصوى. شملت هذه الأهداف قادة عسكريين ذوي رتب رفيعة، وعلماء متخصصين في البرنامج النووي الإيراني، بالإضافة إلى البنية التحتية النووية نفسها.
أسفرت هذه العمليات العسكرية عن مصرع عدد من الشخصيات البارزة، من بينهم القائد العام لقوات الحرس الثوري الإيراني، الجنرال حسين سلامي، ورئيس هيئة الأركان العامة، اللواء محمد باقري، إلى جانب مجموعة من العلماء النوويين الذين لم يتم الكشف عن هويتهم.
من المعلوم أن إسرائيل كانت تُعِدّ لهذه الضربة الجراحية ضد إيران منذ فترة ليست بالقصيرة. وبالنظر إلى طبيعة الأهداف التي تم قصفها بدقة متناهية، يتضح بجلاء أن إسرائيل قد خططت لهذه العملية العسكرية بتفصيل استثنائي وعناية فائقة.
لم تكن مواقع المنشآت النووية الإيرانية تشكل لغزًا محيرًا، حيث أنها تخضع لعمليات تفتيش دورية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ سنوات عديدة. وبالتالي، لم تكن إسرائيل بحاجة إلى معلومات استخباراتية خاصة أو معقدة لتحديد الإحداثيات الدقيقة لهذه المنشآت الحساسة.
لكن الأمر الذي يثير الدهشة والاستغراب هو استهداف القائد العام للحرس الثوري، ورئيس هيئة الأركان، بالإضافة إلى العلماء النوويين الذين تُحاط أسماؤهم بطوق من السرية، في منازلهم الخاصة وبشكل مباشر.
عند التدقيق في الصور الواردة من الأراضي الإيرانية، يتضح أن الضربات الإسرائيلية قد وُجّهت بدقة عالية إلى منازل شخصيات محددة بأسمائها، مما يؤكد أن اختيار الأهداف لم يكن عشوائيًا أو اعتباطيًا.
ويؤكد هذا الأمر بما لا يدع مجالاً للشك اعتماد إسرائيل على معلومات استخباراتية دقيقة وحساسة لتحديد مواقع القادة والعلماء المتورطين في البرنامج النووي الإيراني. ومن المرجح أن الحصول على هذه المعلومات قد تطلب جهدًا استخباراتيًا مضنيًا استمر لأشهر طويلة، ويكاد يكون من المستحيل الوصول إلى هذا المستوى من الدقة دون تعاون وثيق مع عناصر محلية متواجدة داخل إيران.
إستراتيجية الهجوم الإسرائيلي
إن استهداف إسرائيل ليس فقط للمنشآت النووية الإيرانية، بل أيضًا للقادة والعلماء النوويين، يشير بوضوح إلى أنها تتبع إستراتيجية مماثلة لتلك التي سبق وأن طبقتها ضد حزب الله في لبنان.
في الأراضي اللبنانية، استهدفت إسرائيل أولًا القيادة العليا لحزب الله في اجتماع سري، ثم شنت هجومًا إلكترونيًا واسع النطاق على أجهزة النداء الخاصة بهم، وأخيرًا استهدفت الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، وخليفته هاشم صفي الدين.
ويبدو أن إسرائيل تطبق إستراتيجية مماثلة في إيران: فبينما يتم استهداف المنشآت النووية وغيرها من المواقع الحساسة، يتم في الوقت ذاته استهداف القادة والعلماء النوويين البارزين.
وقد أشار وزير الدفاع الإسرائيلي، كاتس، في تصريح علني له إلى أن الجزء الأكبر من الإستراتيجية يكمن في استهداف المرشد الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي. وقال كاتس في تصريحه المثير للجدل: "بعد ضرب أذرع إيران، نستهدف الآن "رأس التنين" بضراوة".
في هجماتها السابقة على حزب الله، ضربت إسرائيل أهدافها بشكل متسلسل ومنهجي على مدى فترة زمنية محددة، وكانت الحلقة الأخيرة في تلك السلسلة من الهجمات هي استهداف حسن نصر الله شخصيًا. والفرق الوحيد في هجمات إسرائيل على إيران هو أنها لم تضرب الأهداف بشكل متسلسل وعلى فترات زمنية متباعدة، بل استهدفتها بشكل متزامن ومنسق.
لذلك، واستنادًا إلى تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي، يمكننا القول بثقة إن إسرائيل لن تتأخر في استهداف آية الله علي خامنئي، وربما يحدث هذا الهجوم في هذه اللحظة أو خلال الساعات القليلة القادمة.
كيف سترد إيران؟
في الوقت الذي تستمر فيه الهجمات الإسرائيلية على الأراضي الإيرانية، أصدر المرشد الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي، بيانًا رسميًا. في هذا البيان الذي وجهه إلى الشعب الإيراني، أكد خامنئي أن إسرائيل ستُعاقب بشدة على أفعالها. وجاء في بيانه المقتضب:
"لقد لطخ الكيان الصهيوني يده القذرة والملطخة بالدماء بجريمة نكراء في بلدنا العزيز فجر هذا اليوم، وكشف عن طبيعته الخبيثة أكثر من أي وقت مضى باستهدافه المناطق السكنية الآمنة. وعلى هذا الكيان المجرم أن ينتظر عقابًا قاسيًا ورادعًا. إن اليد القوية للقوات المسلحة للجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تتركه وشأنه بإذن الله".
من ناحية أخرى، جاءت التصريحات الصادرة عن الجيش الإيراني والحرس الثوري الإيراني لتؤكد بحزم أنه سيتم الرد على إسرائيل بقوة وعنف لا هوادة فيهما.
وكانت وزارة الاستخبارات الإيرانية قد أعلنت في الأسبوع الماضي أنها استولت على آلاف الوثائق السرية التي تحتوي على معلومات حساسة للغاية، بما في ذلك معلومات عن منشآت إسرائيل النووية السرية. ووصف القائد العام للحرس الثوري، حسين سلامي، الذي لقي حتفه في هجوم اليوم، هذه العملية الاستخباراتية بأنها "طوفان الأقصى 2".
وقال القائد العام السابق للحرس الثوري، محسن رضائي، معلقًا على هذه العملية النوعية: "لم يعد هناك مكان سري أو محصن أو آمن في الأراضي المحتلة!".
كما صرح النائب مجتبی زارعی، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، بأنهم حصلوا على أكثر من 10 ملايين وثيقة، وقال: "نحن الآن نعرف بالتفصيل الممل أي قنابل يمتلكها الكيان الإسرائيلي، وأين توجد هذه القنابل وفي أي مخابئ سرية؛ ونعرف أيضًا عمق هذه المخابئ وإمكانات حمايتها، والمواد التي صُنعت منها، وما هي حساباتهم تجاه إيران. إن نشر أي جزء صغير من هذه المعلومات سيخلق أزمة لا مثيل لها في آسيا وأوروبا وأميركا!".
إذا كانت الوثائق التي حصلت عليها إيران تحتوي بالفعل على معلومات دقيقة حول منشآت إسرائيل النووية السرية، وقررت طهران استهداف هذه المنشآت وقصفتها بالفعل، فسنتحدث بلاشك عن بداية حقبة جديدة لمنطقتنا وللعالم بأسره.
ولكن حتى لو لم تكن الوثائق التي حصلت عليها إيران تحتوي على معلومات مفصلة حول منشآت إسرائيل النووية السرية، فقد تقرر طهران استهداف مفاعل ديمونة النووي الإسرائيلي، أو القواعد العسكرية المعروفة، أو حتى المقر الرئيسي لوزارة الدفاع الإسرائيلية.
وبناءً على المعطيات المتوفرة، يمكننا القول إن رد إيران على إسرائيل لن يتأخر كثيرًا، وقد يحدث في غضون ساعات قليلة أو ربما أيام معدودة.
هل القواعد الأميركية في مرمى النيران؟
في أعقاب الهجوم الإسرائيلي، صرح وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، بأن الولايات المتحدة لم تشارك بأي شكل من الأشكال في الهجوم الإسرائيلي على إيران. كما صرح الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بأن إسرائيل أبلغته مسبقًا بالهجوم المرتقب، لكن بلاده لم تشارك فيه بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
في التصريحات الصادرة من إيران سابقًا واليوم، نرى أن الولايات المتحدة تُتهم أيضًا بالتواطؤ فيما يتعلق بالهجمات الإسرائيلية الأخيرة. لقد صرحت إيران مرارًا وتكرارًا بأن القواعد الأميركية المتمركزة في المنطقة ستكون هدفًا مشروعًا في حال وقوع أي هجوم إسرائيلي محتمل.
ومع ذلك، أرى أن احتمال عدم استهداف إيران للقواعد الأميركية مرتفع نسبيًا، وذلك لمنع الولايات المتحدة من التدخل الفعلي والمباشر في الهجمات ضدها إلى جانب إسرائيل.
إن استهداف طهران للقواعد الأميركية المنتشرة في المنطقة قد يجلب معه مشكلتين كبيرتين لإيران:
- يسهم بشكل كبير في دخول الولايات المتحدة بشكل فعلي ومباشر في الهجمات ضد إيران.
- يدفع دول المنطقة التي توجد بها القواعد الأميركية إلى اتخاذ موقف عدائي صريح تجاه إيران.
لذلك، ستفضل إيران في المرحلة الأولى استهداف الأهداف التي حددتها داخل الأراضي الإسرائيلية مباشرة.
القانون الدولي
مما لا شك فيه أن الهجمات الإسرائيلية على إيران تتعارض بشكل صارخ مع القانون الدولي. لقد انتهكت إسرائيل القانون الدولي مرارًا وتكرارًا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول في غزة، ولبنان، وباغتيالها إسماعيل هنية، وأخيرًا في إيران.
لقد أوصلت إسرائيل، بهجماتها المخالفة للقانون الدولي التي تشنها على جبهات متعددة ومتباينة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، النظام الدولي برمته إلى حافة الانهيار.
وتشير وزارة الخارجية الإيرانية في بيان رسمي لها حول الهجمات الإسرائيلية الأخيرة إلى أن "إسرائيل بهجومها الغاشم على إيران قد انتهكت المادة 2، الفقرة 4 من ميثاق الأمم المتحدة".
كما تؤكد وزارة الخارجية الإيرانية على أن إيران سترد على إسرائيل بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
إن عجز مجلس الأمن الدولي التام عن مواجهة العمليات العسكرية التي تنفذها إسرائيل في المنطقة، وفي مقدمتها غزة، متجاهلةً القانون الدولي بشكل سافر، قد وضع كلًا من القانون الدولي ووجود الأمم المتحدة نفسه موضع شك وتساؤل عميقين.
إن الهجمات المتواصلة التي تشنها إسرائيل منذ عامين قد وضعت العالم على شفا أزمة نظام دولي خطيرة تشبه إلى حد كبير انهيار عصبة الأمم قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية.
وهذه العملية العسكرية الجديدة التي بدأت بهجوم إسرائيل على إيران لديها القدرة على لعب دور خطير ومحوري في انهيار النظام الدولي القائم.
كما أن موقف مجلس الأمن الدولي والولايات المتحدة من الرد الإيراني المحتمل على إسرائيل سيكون ذا أهمية قصوى وحاسمة في هذا الصدد.
إن تفعيل القانون الدولي بعد الرد الإيراني على إسرائيل، بعد أن كان غائبًا تمامًا أمام كل انتهاكات إسرائيل السابقة، سيلعب دورًا مشجعًا وداعمًا لأنشطة إسرائيل العدوانية في المنطقة.
المرحلة الثانية من الخطة الإسرائيلية
نقلت مصادر إخبارية إسرائيلية مطلعة معلومات تفيد بأن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة قد تستمر لمدة أسبوعين على الأقل. ومع الرد الإيراني المؤكد، من المحتمل جدًا أن تطول مدة هذا الصراع وتتوسع رقعته.
نرى بوضوح في هجمات اليوم أن الأهداف كانت منشآت نووية وشخصيات عسكرية بارزة وعلماء متخصصون. هذه الهجمات الجراحية الدقيقة لا تؤثر بشكل مباشر على الحياة اليومية للشعب الإيراني. ومن المرجح أن تقوم إسرائيل في المرحلة الثانية بخطوات أكثر تصعيدًا تؤثر سلبًا على الحياة اليومية للسكان المدنيين.
بمعنى أنه من المرجح أن تقوم إسرائيل في المرحلة التالية باستهداف محطات توليد الطاقة الكهربائية الحيوية، ومنشآت إنتاج الغاز الطبيعي الضرورية، والمصافي النفطية الهامة. إن هدف إسرائيل الأساسي من استهداف النقاط التي تؤثر بشكل مباشر على الحياة اليومية للشعب الإيراني، هو بلا شك، تحريض الشعب على الخروج إلى الشوارع وتنظيم احتجاجات واسعة النطاق ضد النظام الحاكم.
وبناءً على ذلك، يمكن لإسرائيل أن تشجع على اندلاع انتفاضة شعبية عارمة من خلال هذه الهجمات المدمرة وبدعم سخي من بعض الجماعات المعارضة المتواجدة في الداخل.